عنفٌ خلف الجدران.. ارتفاع حوادث قتل النساء بالدنمارك يثير الجدل والمخاوف

عنفٌ خلف الجدران.. ارتفاع حوادث قتل النساء بالدنمارك يثير الجدل والمخاوف
مسيرة تدعو لمواجهة العنف ضد المرأة في الدنمارك- أرشيف

كشفت تقارير حديثة صادرة عن الأمم المتحدة عن واقع صادم ومؤلم، حيث تبين مقتل أكثر من 85 ألف امرأة وفتاة في مختلف أنحاء العالم خلال عام 2023، في جرائم تمثل في جوهرها نمطاً واضحاً من العنف القائم على النوع الاجتماعي. 

وتُظهر الإحصاءات أن ما يقارب 60% من هؤلاء الضحايا لقين حتفهن على أيدي شركاء حاليين أو سابقين أو أحد أفراد أسرهن، ما يسلط الضوء على أن الخطر غالباً ما يأتي من داخل البيت وليس من خارجه، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم السبت.

هذا الرقم، رغم ثقله الإحصائي، يحمل دلالة أكثر فتكاً عند إسقاطه على مجتمعات يفترض أنها الأكثر أماناً واستقراراً، ففي بلد مثل الدانمارك، الذي لا يتجاوز عدد سكانه ستة ملايين نسمة، وتفخر حكومته بتاريخه الطويل في ترسيخ مبادئ المساواة بين الجنسين، جاءت حوادث قتل متكررة لنساء على يد شركائهن، لتكشف أن العنف ضد النساء ليس ظاهرة محصورة في مجتمعات الصراعات أو الدول النامية، بل هو جزء من ثقافة عالمية تحتاج إلى إعادة تفكيك وجذرية في المعالجة.

عنفٌ مغلّف بالصمت

أوضحت مديرة مؤسسة "دانر" الدنماركية المعنية بحماية النساء والأطفال من العنف، الناشطة ميتي ماري يدي، أن التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في محاربة هذا العنف، بل في الاعتراف به أولاً بوصفه نمطاً جنساني الطابع. 

واعتبرت أن الدنمارك، رغم ادعائها الريادة في قضايا العدالة والمساواة، ترددت طويلاً في مواجهة هذه الحقيقة المرة، ما أدى إلى تأخر واضح في الإجراءات الوقائية والحلول العملية.

وأضافت يدي أن المجتمع بات يدرك تدريجياً أن قتل النساء ليس نتيجة أحداث فردية منعزلة، بل هو تجسيد لثقافة كامنة من التواطؤ والصمت والتقليل من شأن العنف الأسري، وهو ما يُعدُّ بحد ذاته تهديداً لبنية المجتمع، ويقوّض مزاعمه بالتقدم.

مبادرات وحلول بديلة

أطلقت مؤسسة "دانر" مبادرة مجتمعية تهدف إلى الضغط على الحكومة لاعتماد وسائل وقائية أكثر حداثة، من بينها استخدام أساور إلكترونية تصدر تنبيهات تلقائية في حال اقتراب المعتدي من الضحية، ما يتيح للشرطة التدخل قبل فوات الأوان. 

واستجابت السلطات لهذه المبادرة بإطلاق مشروع تجريبي لاختبار فاعلية هذه التقنية، في خطوة اعتبرها المراقبون تحولاً إيجابياً في التعاطي مع الملف.

وفي هذا السياق، دعت يدي المؤسسات الرسمية إلى نقل المعرفة حول طبيعة العنف الأسري إلى قطاعات الرعاية الصحية والتعليم والشرطة، حتى تكون قادرة على رصد علامات الخطر مبكراً، والتدخل بسرعة لحماية الأرواح.

موجة قتل تهز الدنمارك

شهد شهر يونيو الماضي ست حالات قتل لنساء دفعت الشرطة إلى فتح تحقيقات عاجلة، وأثارت صدمة داخل الشارع الدنماركي، وكشفت هذه الجرائم التي وقعت في فترة قصيرة عن وجود نمط عنف مروع داخل العلاقات القريبة، حيث تبين أن معظم الجناة هم شركاء أو أقارب الضحايا.

وتحت ضغط الرأي العام، خرج عدد من السياسيين لأول مرة عن صمتهم، وأقرّ وزير المساواة بأن الدولة فشلت تاريخياً في التعامل مع هذه الجرائم بجدية، مضيفاً أن ثقافة الإنكار المجتمعي جعلت الكثير من النساء يواجهن مصيرهن في عزلة تامة، دون أن يشعرن أن الدولة أو القانون يقف إلى جانبهن.

وكشفت هذه الحوادث المؤلمة أن العنف ضد النساء لا يختار ثقافة أو طبقة اجتماعية بعينها، بل يتسلل داخل العلاقات الحميمة التي يُفترض أن تكون ملاذاً آمناً. 

كما أظهرت أن المعركة الحقيقية ليست فقط في إصدار القوانين أو توقيع المعاهدات، بل في تغيير البنية الثقافية، وتحطيم الأسوار الصامتة التي تحيط بالنساء المعنّفات، وتُبقي على الجناة في مأمن من المحاسبة.

ويبقى الأمل معقوداً على منظمات المجتمع المدني، وعلى كل من يملك صوتاً أو منصة، بأن يتحول الوعي إلى فعل، وأن تتحول الأرقام إلى سياسات وقائية تحمي النساء قبل فوات الأوان.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية